Skip to main content

الباب السابع - سفر الأعمال: المسيح قام

الباب السابع

المسيح في قوة قيامته

نرى في سفر الأعمال المسيح قائماً من بين الأموات، صاعداً إلى السماء، حياً إلى الأبد ممجداً عاملاً بقوة روحه القدوس في كنيسته التي على الأرض. وعليه فرسائل الرسل هي بمثابة متابعة المسيح لتعليمه بواسطة روحه القدوس، تحقيقاً لوعده (يو 16: 12 – 14). ولم يعلن فيها حقيقة إلهية جوهرية غير متضمنة مبدئياً في البشائر الأربع. ومن أمثلة ذلك الرسالة إلى العبرانيين، فهي شرح ضافي الأذيال على قول المسيح الموجز "هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا".

تعليم الرسائل واحد في جوهره يدور حول هذه العقيدة العظيمة "الخلاص بالمسيح" كما أن البشائر الأربع تؤدي تاريخ حياة المسيح من حيث اعتبارات مختلفة وقعت في نفوس الذين كتبوها وكلها إنجيل واحد في جوهرها. وبين البشائر والرسائل موافقة تجدر الإشارة إليها. فيعقوب الرسول مثلاً يذكرنا بما كتبه متى وعلى الخصوص موعظة المسيح على الجبل. ويعلمنا بطرس أن نقتدي بمثال المسيح ويذكرنا بما كتبه مرقس. وكذا توجد مشابهة صريحة بين ما قاله الرسول بولس وبين بشارة رفيقه لوقا يوجه فيها عناية عظمى إلى الخطاة. وعلمنا يوحنا في إنجيله كيف مثلت الحياة الإلهية للعيان في شخص المسيح، وعلمنا في رسالته كيف تعطى الحياة وكيف تعلن.

ويجوز أن يسمى سفر الأعمال سفر أعمال الروح القدس أو سفر أعمال المخلص المقام من الموت. وكتب لوقا في مقدمة هذا السفر يقول أن البشارة التي كتبها تتضمن جميع ما ابتدأ يسوع يفعله ويعلم به؛ وهو الآن يخبرنا بما لا يزال المسيح يعمله ويعلّم به بواسطة روحه القدوس على ألسنة تلاميذه الأخيار.

إن المسيح كان قد وعد تلاميذه قبل مبارحته لهم وصعوده إلى السماء بإرسال الروح القدس إليهم: "ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي" (يو 15: 26 و 27). وتمم يسوع وعده يوم الخمسين وسكب الروح القدس بقوة على تلاميذه وهم مجتمعون في العلية (أع 2: 16 و 17 و 33). ومنذ تلك الساعة التي ابتدأوا يشهدون فيها للمسيح ابتدأ الروح القدس أن يشهد في قلوب السامعين والجماهير المجتمعة ويجتذبهم إلى الإيمان بيسوع.

قال بطرس في هذا المعنى "ونحن شهود له بهذه الأمور والروح القدس أيضاً الذي أعطاه الله للذين يطيعونه" (5: 32). وكلما تأملنا صفحات هذا السفر ظهرت لنا أدلة جديدة على قوة عمل ذلك المخلص الصاعد إلى عرش أبيه في خلاص النفوس بواسطة تلك الشهادة المزدوجة، أي شهادة الرسل وشهادة الروح القدس. وإن المسيح هو الذي سكب الروح القدس يوم الخمسين (2: 33)؛ وهو الذي اختار الرسل والمبشرين، وعيّن لهم البلاد التي ينبغي أن يذهبوا إليها ويبشروا فيها "ولكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهوداً في اورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض" (1: 8).

إن الكنيسة، في حداثة عهدها، توانت في إدراك سعة مأموريتها والتنازل عن آرائها اليهودية، فحصرت كرازتها في أورشليم. ولكن، لما وقع عليها الاضطهاد، وقُتل استفانوس الشهيد الأول، تفرقت. وانتشرت كلمة الإنجيل في جهات مختلفة. وثبت هذا القول المأثور "إن دماء الشهداء بذار الكنيسة، لأن دم استفانوس كان من ضمن الوسائل لتي استخدمها الله لاجتذاب شاول الطرسوسي إلى الإيمان وإعداده ليكون رسول الأمم.

ولما تفرقت الكنيسة انتشرت الكلمة. فكرز فيلبس في السامرة وآمن كثيرون على يده، وبلغت كلمة الإنجيل إلى قيصرية (8: 40) وفينيقية، وقبرص، وانطاكية (11: 19) ودمشق (9: 2). ويظهر تداخل المخلص مباشرة في إدارة شؤون كنيسته أنه أرشدها إلى قبول الأمم في الإيمان. واستخدم بطرس لفتح باب الإنجيل في يوم الخمسين وللأمم عندما بدأ بتبشير كرنيليوس، تحقيقاً لما وعد به المسيح في الإنجيل (مت 16: 18 و 19).

وظهر المخلص لشاول الطرسوسي لينتخبه "خادماً وشاهداً" (26: 16)، ويرسله "إلى الأمم بعيداً" (22: 21). وهدى خطواته في سفراته الثلاث. وتكاد حوادث هذا السفر تنحصر في سيرة ذينك الرسولين، بطرس ورسول اليهود المنفرقين، وبولس رسول الأمم. والثاني دعي إلى الرسالة أخيراً غير أنه سبق الكل في قضاء حق الرسالة. ويصح لنا أن نعده هو – لا ميتاس – من زمرة "رسل الخروف الاثني عشر" (رؤيا 21: 14).

بدأ سفر الأعمال بخبر الكرازة في أورشليم عاصمة اليهود، وانتهى بخبر الكرازة في رومية عاصمة الأمم وممثلة أعظم قوات العالم في ذلك العصر. قال بعضهم إن هذا السفر خير دليل للمرسلين في أسفارهم ومشروعاتهم. يعلمون منه البواعث الحقيقية والطرق المناسبة ومصدر القوة. وإن المسيح أقنع الكنيسة الأولى أن تتذرع، لنشر بشارة الخلاص، بالكرازة في عواصم البلاد والمدن الغاصة بالسكان حيث تكثر وسائل الموصلات بينها وبين البلاد الصغيرة المجاورة لها. كرزوا في أورشليم والسامرة وأنطاكية وقبرص وإيقونية ودربة ولسترة وفيلبي وتسالونيكي وبيرية وأثينا وكورنثوس وأفسس ورومية. وما زالوا ينتقلون من مدينة إلى مدينة معتمدين على الإله الحي بقلوب ملتهبة بنار الغيرة على خلاص النفوس، بدون خوف من الأعداء، لابسين سلاح الله، هادمين حصون الوثنية والفساد، لا يعرفون شيئاً إلا المسيح وإياه مصلوباً، وروح الله عونهم وقوتهم.

  • عدد الزيارات: 3032