Skip to main content

الدرس الثاني عشر

الفصل 9: 1-14

النص الكتابي:

"1ثُمَّ الْعَهْدُ الأول كَانَ لَهُ أيضاً فَرَائِضُ خِدْمَةٍ وَالْقُدْسُ الْعَالَمِيُّ، 2لأَنَّهُ نُصِبَ الْمَسْكَنُ الأول الَّذِي يُقَالُ لَهُ «الْقُدْسُ» الَّذِي كَانَ فِيهِ الْمَنَارَةُ، وَالْمَائِدَةُ، وَخُبْزُ التَّقْدِمَةِ. 3وَوَرَاءَ الْحِجَابِ الثَّانِي الْمَسْكَنُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ «قُدْسُ الأقداس"4فِيهِ مِبْخَرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَتَابُوتُ الْعَهْدِ مُغَشًّى مِنْ كُلِّ جِهَةٍ بِالذَّهَبِ، الَّذِي فِيهِ قِسْطٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ الْمَنُّ، وَعَصَا هَارُونَ الَّتِي أَفْرَخَتْ، وَلَوْحَا الْعَهْدِ. 5وَفَوْقَهُ كَرُوبَا الْمَجْدِ مُظَلِّلَيْنِ الْغِطَاءَ. أَشْيَاءُ لَيْسَ لَنَا الآنَ أَنْ نَتَكَلَّمَ عَنْهَا بِالتَّفْصِيلِ. 6ثُمَّ إِذْ صَارَتْ هَذِهِ مُهَيَّأَةً هَكَذَا، يَدْخُلُ الْكَهَنَةُ إلى الْمَسْكَنِ الأول كُلَّ حِينٍ، صَانِعِينَ الْخِدْمَةَ. 7وَأَمَّا إلى الثَّانِي فَرَئِيسُ الْكَهَنَةِ فَقَطْ مَرَّةً فِي السَّنَةِ، لَيْسَ بِلاَ دَمٍ يُقَدِّمُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ جَهَالاَتِ الشَّعْبِ، 8مُعْلِناً الرُّوحُ الْقُدُسُ بِهَذَا أَنَّ طَرِيقَ الأقداس لَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ، مَا دَامَ الْمَسْكَنُ الأول لَهُ إِقَامَةٌ، 9الَّذِي هُوَ رَمْزٌ لِلْوَقْتِ الْحَاضِرِ، الَّذِي فِيهِ تُقَدَّمُ قَرَابِينُ وَذَبَائِحُ لاَ يُمْكِنُ مِنْ جِهَةِ الضَّمِيرِ أَنْ تُكَمِّلَ الَّذِي يَخْدِمُ، 10وَهِيَ قَائِمَةٌ بِأَطْعِمَةٍ وَأَشْرِبَةٍ وَغَسَلاَتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَفَرَائِضَ جَسَدِيَّةٍ فَقَطْ، مَوْضُوعَةٍ إلى وَقْتِ الإِصْلاَحِ. 11وَأَمَّا الْمَسِيحُ، وَهُوَ قَدْ جَاءَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ لِلْخَيْرَاتِ الْعَتِيدَةِ، فَبِالْمَسْكَنِ الأَعْظَمِ وَالأَكْمَلِ، غَيْرِ الْمَصْنُوعِ بِيَدٍ، أَيِ الَّذِي لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْخَلِيقَةِ. 12وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُولٍ، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إلى الأقداس، فَوَجَدَ فِدَاءً أبدياً. 13لأَنَّهُ إِنْ كَانَ دَمُ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ وَرَمَادُ عِجْلَةٍ مَرْشُوشٌ عَلَى الْمُنَجَّسِينَ يُقَدِّسُ إلى طَهَارَةِ الْجَسَدِ، 14فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أزلي قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلَّهِ بِلاَ عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ!"

يود الكاتب إلى العبرانيين أن يعلّمنا هذا الدرس الهام: العهد الجديد الذي بزغ نوره على عالمنا بمجيء ابن الله وتتميمه لعمل الفداء العظيم، هذا العهد هو أعظـم بكثير من العهد القديم الذي كان ساري المفعول من أيام موسى النبي إلى أيام المسيح. كان العهد القديم عهداً أو نظاماً وقتياً وتمهيدياً ورمزياً بينما العهد أو النظام الجديد هو دائم ونهائي. الله تعالى هو واضع العهدين ولذلك هناك أوجه شبه بينهما ولكن هناك أوجه اختلاف أيضاً ويجب رؤية هذه الأخيرة بصورة واضحة لكي نقدر أن نفهم معنى الديانة المسيحية التي هي ديانة العهد الجديد. لنتضرع إلى الروح القدس الذي أوحى بهذه الكلمات في هذا السفر المقدس لينير عقولنا لنفهم هذا التعليم السامي ولنسعَ سعياً حثيثاً للعيش حسب مباديء العهد الجديد الأزلية.

1. المقارنة بين نظامي العهد القديم والعهد الجديد بخصوص عبادة الله:

كان العهد القديم عهد الطقوس والرموز والشعائر الدينية ومن أهمها ما كان مختصا بعبادة الله المنصوص عليها في شريعة موسى. فقد كان الله قد أمر عبده بأن ينصب خيمة الاجتماع التي كانت بمثابة هيكل متحرك إلى أن بني الهيكل الثابت في أيام سليمان الملك. وكانت خيمة الاجتماع تنقسم إلى قسمين هامين: أولاً القدس وثانياً قدس الأقداس. كان الكهنة يقومون بتقديم الذبائح يومياً في القسم الأول المدعو بالقدس وأما القسم الثاني حيث كان تابوت العهد فإن رئيس الكهنة كان الشخص الوحيد الذي يجوز له أن يدخله وذلك مرة واحدة في السنة في يوم التكفير عندما كان يأتي رئيس الكهنة بدم الذبيحة إلى قدس الأقداس ويقدمه عن نفسه وعن الشعب الذي يمثله أيضاً. وخلاصة الأمر أن جميع الأمور المتعلقة بالعبادة في العهد القديم مع كونها من وضع الله تعالى كانت رمزية وكانت تشير إلى المستقبل، إلى ذلك اليوم الذي كان سيأتي فيه مسيح الله لتقديم نفسه ذبيحة عن خطايا العالم. وبينما كان قدس الأقداس حيث كان مجد الله مخيما على تابوت العهد، بينما كان ذلك الموضوع مخفي وراء حجاب لا يرى داخله سوى رئيس الكهنة مرة واحدة في السنة، نرى أن المجيء إلى الحضرة الإلهية هو الآن (نظراً لما قام به المسيح يسوع) أمر مباح لجميع المؤمنين وبدون وساطة كهنة من بني البشر إذ أن المسيح يسوع هو رئيس كهنة أو بالأحرى كاهن العهد الجديد الأعظم والوحيد.

2. قام المسيح يسوع كرئيس كهنة العهد الجديد بأمر فعال وحاسم في سبيل فتح الباب إلى الحضرة الإلهية:

بينما كان رؤساء الكهنة في أيام النظام القديم يقومون بتقديم ذبائح سنوية أي مرة كل سنة يوم التكفير للدخول إلى قدس الأقداس نرى أن السيد المسيح له المجد لم يدخل قدس الأقداس السماوي بواسطة تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس ولذلك يقول صاحب الرسالة: "وجد (أي المسيح له المجد) فداء أبدياً". التطهير الناموسي الذي كان متعلقاً بذبائح كهنوت العهد القديم إنما كان وقتياً وله علاقة بحياة الإنسان من الناحية الطقسية أو الشعائرية ولكن التطهير الذي يناله الإنسان من المسيح (كاهن العهد الجديد الأعظم) هو ذو فعالية أبدية ودائمة. فإن كان الإنسان يعد طاهراً من وجهة نظر الشريعة الطقسية في أيام العهد القديم بناء على تقديم ذبائح حيوانية فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي؟ هذا كان سؤال كاتب الرسالة في نهاية القسم الأول من الفصل التاسع ولكنه ليس بسؤال للذين أخذوا الرسالة منذ نحو 1900 سنة فقط بل يوجه إلينا اليوم أيضاً بنعمة الله لكي نفرح ونتهلل لأن الله شاء بأن يمنحنا أن نحيا ونعيش في ظل نظام العهد الجديد الذي نوره أكثر إشعاعاً وقوة من نور العهد القديم الذي ولى وأدبر نهائيا عندما أتم مخلصنا له المجد أعماله الخلاصية وصعد إلى السماء ليجلس عن يمين العرش الإلهي ويشفع بنا ويسهر علينا إلى أن نأتي إليه يوم يدعونا من هذه الحياة أو إلى أن نجتمع معه يوم عودته إلى العالم.

  • عدد الزيارات: 4239